في الأول من مايو 2025، شهدت فرنسا مظاهرات حاشدة نظمتها النقابات العمالية بمناسبة عيد العمال، حيث خرج مئات الآلاف من المواطنين في مختلف المدن الفرنسية، وعلى رأسها باريس، للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية. ورغم أن هذه المظاهرات تضمنت شعارات مناهضة لليمين المتطرف، إلا أن التركيز الأساسي كان على قضايا مثل تحسين الأجور، الدفاع عن الحريات العامة، والعدالة الاجتماعية.
إلا أن بعض وسائل الإعلام الرسمية في الجزائر قامت بتقديم تغطية منحازة لهذه الأحداث، حيث ركزت على الجانب المتعلق بمناهضة اليمين المتطرف، متجاهلة المطالب الاجتماعية والاقتصادية التي كانت في صلب هذه المظاهرات. هذا التناول الإعلامي يُعد تحويرًا للواقع، ويهدف إلى صرف الأنظار عن القضايا الداخلية التي تعاني منها الجزائر، خاصة فيما يتعلق بالحريات النقابية.
في الجزائر، يواجه النقابيون المستقلون قمعًا شديدًا من قبل السلطات، حيث يتم اتهامهم بالإرهاب لمجرد ممارستهم لحقهم في التنظيم والتعبير. على سبيل المثال، تم اعتقال الناشط النقابي علي معمري، رئيس النقابة الوطنية لموظفي الثقافة، في مارس 2025، ووجهت إليه تهم تتعلق بالإرهاب استنادًا إلى المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، والتي تُستخدم بشكل متكرر لتوجيه تهم واسعة وغامضة لقمع النشطاء والنقابيين.
كما تم اعتقال النقابي رمزي دردر في يونيو 2021، ووجهت إليه تهم بالإرهاب بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. ورغم تبرئته لاحقًا، إلا أنه ظل ممنوعًا من السفر والمشاركة في الأنشطة النقابية الدولية.
تُظهر هذه الحالات استخدام السلطات الجزائرية لتهم الإرهاب كوسيلة لقمع الحريات النقابية وتكميم الأفواه، في انتهاك صارخ للحقوق الأساسية التي تكفلها الاتفاقيات الدولية، بما في ذلك اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحرية التنظيم النقابي.
إن محاولة وسائل الإعلام الجزائرية تحوير مطالب المظاهرات في فرنسا تُعد محاولة لصرف الأنظار عن القمع الذي يتعرض له النقابيون في الجزائر، وتُظهر ازدواجية في المعايير في التعامل مع الحريات النقابية. فبينما يتم تسليط الضوء على قضايا الحريات في الخارج، يتم قمعها في الداخل.
و في هاذا الإطار صرح رئيس الكونفدرالية الأخ رؤوف ملال ما يلي :
تدعو الكنفدرالية النقابية للقوى المنتجة (COSYFOP) المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان إلى الضغط على السلطات الجزائرية لاحترام التزاماتها الدولية، ووقف استخدام تهم الإرهاب لقمع النقابيين، والإفراج الفوري عن جميع المعتقلين بسبب نشاطهم النقابي. إن الدفاع عن الحريات النقابية يجب أن يكون مبدأ ثابتًا، يُطبّق في الداخل كما يُطالَب به في الخارج.
وفي هذا السياق، نعبر عن تضامننا الكامل مع زملائنا النقابيين في فرنسا، ونبدي إعجابنا الشديد بالقدرة التنظيمية والتعبوية الرائعة التي أظهروها خلال مظاهرات عيد العمال، والتي جسدت وعيًا شعبيًا حيًّا في مواجهة السياسات اللاجتماعية التي تمس الحقوق الاقتصادية والكرامة الإنسانية. كما نأمل أن تشكل هذه الديناميكية مصدر إلهام للطبقة العاملة الجزائرية، وندعو العمال في بلادنا إلى الالتفاف حول النقابات المستقلة والتوحد في مواجهة كل أشكال الاستغلال والقمع، من أجل بناء حركة اجتماعية حقيقية تدافع عن الحقوق والعدالة.
إن الدفاع عن الحريات النقابية يجب أن يكون مبدأ ثابتًا، يُطبق في الداخل كما يُطالب به في الخارج.

لا تعليق